الأحد، 14 أكتوبر 2012

أزواد في معادلة الأمن والسياسة الخارجية للدولة الليبية الجديدة





شهدت ليبيا  عرسا انتخابيا قال  فيه الشعب  كلمته وأختار ممثليه في انتخابات المؤتمر الوطني بعد نجاح ثورة 17 فبراير 2011 المباركة للتخلص من الفساد والاستبداد الذي جثم على صدور أبنائه  طيلة  42 عام  وقد قدم  الليبيون  تضحيات جسام و هم يقطفون اليوم ثمار جهدهم نهاية سعيدة عرس وطني اختار فيه الشعب ممثليه بكل نزاهة وحرية .
وقطع الليبيون بذلك  شوطا كبيرا في صنع ديمقراطيتهم النابعة من الذات الوطنية  ويؤسسوا لبناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية المنتخبة ديمقراطيا وبما أن الأمن الداخلي لأي دولة واستقرارها  يعتمد على سياستها الخارجية التي يمكنها  صنع الأصدقاء والشركاء الاقتصاديين وكذلك يعتمد نجاح السياسة الخارجية على أمن  قوي ومستقر  فالأمن  والسياسة الخارجية متلازمان ومترابطان .
 فإن بنيت السياسة الخارجية  على أسس من الاحترام المتبادل وإسناد الأشقاء ودعم القضايا العادلة فهذا النوع من السياسة  يجعل من دولة صغيرة نسبيا وقليلة السكان ومحدودة الثروات الطبيعة  دولة محورية في محيطها الإقليمي والدولي وقد يجعل منها أيضا واحة للأمن والاستقرار في محيط يتسم بالاضطراب والثورات والانقلابات العسكرية كما كانت ليبيا في عهد الملك إدريس السنوسي  .
وقد منح الملك السنوسي الطوارق القادمين من مالي والنيجر الجنسية الليبية مكافأة لهم على دورهم البطولي في الدفاع عن إقليم فزان إبان الاستعمار  الفرنسي من جهة وليصنع منهم أوراق في سياسة ليبيا  الإفريقية فتم تسويق الزاوية  الصوفية السنوسية  الذراع الديني للنفوذ الليبي في إفريقيا عبر الطوارق  وساهمت كفاءات أزواد   العلمية باللغة العربية في تقوية النظام التربوي والتعليمي في إقليم فزان  وساهم المهندسون الطوارق  وأصحاب التخصصات النادرة منهم في تطوير الإقليم   كما أصبح  اقتصاد إقليم فزان قبل الطفرة النفطية يعتمد على تجارة طوارق مالي والنيجر بين فزان  " وكان ذلك العصر الذهبي للسياسة الخارجية الليبية وقد جعلت هذه السياسة ليبيا في عهد الملك إدريس السنوسي ليبيا دولة محورية في الوطن العربي و ذات اقتصاد حرة يعتمد على استثمارات أخرى غير النفط  وكان إقليم  فزان بفضل احتضانه لطوارق الصحراء الكبرى " أزواد وأير شمال مالي والنيجر "  بمثابة دبي  وقد حقق الإقليم   بفضل استقطابه للاستثمارات والطاقات البشرية الطوارقية نجاحات لليبيا كالتي تحققها إمارة دبي للسياسة الخارجية الإماراتية الآن .
 وأما إذا  بنيت السياسة الخارجية  على صنع الخصوم والمؤامرات وطعن القضايا العادلة في الظهر كما فعل النظام البائد للقذافي  وكتابه الأخضر  ولجانه الثورية  التي تحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة مما لا يعنيها في من الشؤون الداخلية للآخرين فإنها تصنع الأعداء والخصوم وتكون عواقبها وخيمة "  ثورة شعبية في الداخل وتدخل أطلسي في الخارج" .
ومنذ انقلاب القذافي في سبتمبر   1969 حرم الطوارق من الجنسية  الليبية عام 1977 الممنوحة لهم من طرف الأسرة السنوسية في الخمسينات والستينات  وصار القذافي  يستغل الطوارق  ويورطهم في حروبه في تشاد ومغامراته في جنوب لبنان ويستخدم قضيتهم ورقة مساومة ليصنع لهم الأعداء والخصوم في محيطهم القريب والبعيد .
لذلك ننصح صانع القرار الليبي المنتخب بالعودة لنهج الحركة السنوسية  الذي صنعه  " الآباء المؤسسون للدولة الليبية الحديثة عام  1950 " الذين ركزوا على صناعة حلفاء وأصدقاء لليبيا في محيطها وجوارها القريب وكانت ليبيا  في العهد السنوسي حلقة وصل بين المشرق العربي  والمغرب الكبير وكانت قضية أزواد  من أنجح الاستثمارات السياسية والدبلوماسية للسياسة الخارجية للملك  إدريس السنوسي الذي استضاف الأمير محمد علي الأنصاري أمير طوارق تمبكتو
فقد أكرم الملك السنوسي وشيوخ العشائر والقبائل الليبية الأمير محمد علي الأنصاري الذي أصبح حلقة وصل بين الأمازيغ والقبائل العربية لأنه مقبول من الطرفين و قدمه  لأبن عمه الملك غازي بن فيصل الأول ملك العراق ولرئيس حكومته نوري السعيد  عام 1951و للملك فاروق قبل انقلاب جمال عبد الناصر عام 1952 كما قدمه للملك سعود بن عبد العزيز ملك السعودية  ولأسرة آل صباح الكويتية وأقنعهم  بضرورة دعم قضية أزواد لبناء حزام ابيض في الصحراء الكبرى يمنع تدفق الأفارقة السود نحو المغرب الكبير للحفاظ على الهوية الحضارية والنقاء العرقي   لدول شمال إفريقيا وحماية المذهب المالكي   من شعوذات وبدع الأفارقة السود  .
وتقوم الجزائر ومالي والنيجر   باستغلال الفراغ الليبي في الموضوع الأزوادي  بسبب اختطاف السياسة الأمنية الليبية من طرف بعض المليشيات الزنتانية والغدامسية الذين جعلوا من معاداة الطوارق  نهجا لهم  مما تسبب في فشل ليبيا الجديدة في تحقيق أي انجاز على صعيد  السياسة الخارجية على المستويين  الإقليمي والدولي حتى الآن .
ولتصحيح مسار السياسية الخارجية الليبية يتعين على المؤتمر الوطني الليبي المنتخب إيجاد قواسم مشتركة بين ليبيا و أزواد لإيجاد آليات لتقديم ليبيا دعم لأزواد  بالتنسيق مع الأحزاب السياسية الأزوادية المعروفة  وذات الرصيد في مقارعة نظام القذافي البائد  مثل المؤتمر الوطني الأزوادي " التيار الوطني الأزوادي الحر" الذي يملك قواعد شعبية واسعة في ليبيا  من الطوارق أو الأمازيغ وفق صيغة التعاون الذي كان  قائم بين الأمير محمد علي الأنصاري والملك السنوسي تجلب الدعم لقضية أزواد من جهة وجعل  ليبيا الجديدة دولة محورية في الوطن العربي وتعيد للسياسة الخارجية الليبية أمجادها وتألقها في الخمسينات والستينات .
بقلم : أبو بكر الأنصاري
رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق